کد مطلب:352799 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:277

الزواج الموقت
وهو ما یعرف بزواج المتعة وهو " أن تزوج المرأة نفسها للرجل بمهر معلوم إلی أجل مسمی بعقد نكاح جامع لشرائط الصحة الشرعیة، صیغته بأن تقول المرأة للرجل بعد الاتفاق والتراضی علی المهر والأجل (زوجتك نفسی بمهر قدره - كذا - إلی - الأجل المعلوم حیث تسمی مدة معینة علی الضبط -) فیكون جواب الرجل علی الفور: (قبلت)، وتجوز الوكالة فی هذا العقد كغیره من العقود، وبتمام شروط العقد، تصبح المرأة زوجة للرجل، والرجل زوجا لها إلی منتهی المدة المعینة فی العقد، ولهما أن یجدداه إلی فترة أخری أو حتی إلی أبد العمر إذا شاءا، ویجب علی الزوجة أن تعتد بعد انقضاء المدة بقرءین (حیضتین) إذا كانت ممن تحیض، وإلا فبخمسة وأربعین یوما، وولد المتعة ذكرا أو أنثی یلحق بأبیه " [1] .

وهذا النوع من الزواج مما یشنع به علی الشیعة لاعتقادهم بجوازه، ولكن السؤال هنا: من أین جاء الشیعة بتشریع هذا النوع من الزواج؟ وهل هذا النوع من التشریع مما یجتهد بتحلیله وتحریمه؟ وما هی أدلة ذلك من الكتاب الكریم والسنة المطهرة؟ وللإجابة علی كل ذلك نقول: إن جمیع المسلمین علی اختلاف مذاهبهم یجمعون علی أن هذا النوع



[ صفحه 126]



من الزواج مما شرع فی صدر الإسلام، وقد أخرج البخاری بالروایة عن ابن عباس قوله: " كنا نغزو مع النبی (ص)، ولیس معنا نساء فقلنا: ألا نختصی؟ فنهانا عن ذلك، فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب ثم قرأ - (یا أیها الذین أمنوا لا تحرموا طیبات ما أحل الله لكم) - " [2] .

وقد نزلت الآیة (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فریضة) [3] فی هذا النوع من الزواج، حیث ذكر معظم مفسری أهل السنة أن الاستمتاع المقصود فی هذه الآیة هو نكاح المتعة، ولكان ابن عباس وأبی بن كعب وسعید بن جبیر یقرأون هذه الآیة هكذا: " فما استمتعتم به منهن إلی أجل مسمی فآتوهن أجورهن " [4] ، وقد ذكر ابن كثیر فی تفسیره موضحا ذلك: " ومن البعید أن یؤمن هؤلاء بتحریف القرآن، فلا بد أن یراد بذلك التفسیر لا القراءة... " [5] ، ولكن الطوائف الإسلامیة اختلفت بشأن دوام حلیة هذا النوع من النكاح وأصبحت المعضلة هی: هل حرم نكاح المتعة أم بقی علی حله؟ فالحدیث التالی یثبت بما لا یقبل أی شك أن الرسول (ص) قد مات دون أن ینهی عن نكاح المتعة: عن عمران (رض) قال: " نزلت آیة المتعة فی كتاب الله ففعلناها مع رسول الله (ص) ولم ینزل قرآن یحرمه ولم ینه عنها حتی مات،قال رجل برأیه ما شاء " [6] .



[ صفحه 127]



حیث تشیر الروایة أعلاه إلی أن رجلا قد اجتهد برأیه فی هذا الزواج، ومن صحیح البخاری أیضا وتحت باب التمتع علی عهد رسول الله (ص)، جاءت نفس الروایة السابقة ولكن مقطوعة كما یلی: عن عمران (رض): " تمتعنا علی عهد رسول الله (ص) ونزل القرآن، وقال رجل برأیه ما شاء " [7] .

وقد جاء فی شرح الباری علی صحیح البخاری أن الرجل المقصود هنا هو الخلیفة عمر بن الخطاب [8] (رض). وتأكیدا لذلك ما یرویه مسلم فی صحیحه بسنده إلی أبی نضرة قال: " كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبیر اختلفا فی المتعتین، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (ص) ثمنهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما " [9] .

وفی صحیح مسلم أیضا بالإسناد إلی عطاء قال: " قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه فی منزله فسأله القوم عن أشیاء، ثم ذكروا المتعة فقال: نعم، استمتعنا علی عهدرسول الله (ص) وأبی بكر وعمر " [10] .

وأخرج أیضا مسلم فی صحیحه بالإسناد إلی جابر بن عبد الله أنه قال: " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقیق الأیام علی عهد رسول الله (ص) وأبی بكر حتی نهی عنه عمر فی شأن عمرو بن حریث " [11] .



[ صفحه 128]



وقصة عمرو بن حریث هذا هی أن امرأة فقیرة طرقت بابه متوسلة إلیه بأن یعطیها طعاما تسد رمقها به، فأبی ذلك الرجل أن یعطیها شیئا إلا إذا أعطته نفسها زاعما أن ذلك هو نكاح المتعة، وعندما قبلت المرأة هذا الشرط مكرهة وعلم الخلیفة عمر بذلك، غضب غضبا شدیدا، مما دفعه إلی هذا التحریم، بل. قرر رجم كل من یمارس هذا النكاح، كما یظهر ذلك من الروایة التی أخرجها مسلم فی صحیحه بالإسناد إلی أبی نضرة قال: " كان ابن عباس یأمر بالمتعة، وكان ابن الزبیر ینهی عنها، فذكرت ذلك لجابر فقال: تمتعنا مع رسول الله (ص) فلما قام عمر قال: إن الله یحل لرسوله بما شاء، فأتموا الحج والعمرة، وابتوا نكاح هذه النساء فلن أوتی برجل نكح امرأة إلی رجل إلا رجمته بالحجارة " [12] .

ومن صحیح الترمذی عن عبد الله بن عمر وقد سأله رجل من أهل الشام عن متعة النساء فقال: هی حلال، فقال: إن أباك قد نهی عنها، فقال ابن عمر: " أرأیت إن كان أبی ینهی عنها وصنعها رسول الله (ص)، تترك السنة وتتبع قول أبی " [13] .

وقد اشتهر حبر الأمة عبد الله بن عباس (رض) برأیه أن آیة المتعة لم تنسخ، كما یورد ذلك الزمخشری فی تفسیره الكشاف، حیث ینقل عن ابن عباس أن آیة المتعة من المحكمات. وفی صحیح البخاری ما یؤكد ذلك أیضا، فعن أبی جمرة قال: " سمعت ابن عباس یسأل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولی: إنما ذلك فی الحال الشدید، وفی النساء قلة أو نحوه، فقال ابن



[ صفحه 129]



عباس: نعم " [14] .

وقد أخرج الطبرانی والثعلبی فی تفسیریهما بالإسناد إلی علی علیه السلام أنه قال: " لولا أن نهی عمر عن المتعة ما زنی إلا شقی " [15] أی قلیل. (وبالرغم من وضوح كل تلك الأدلة وضوح الشمس فی رابعة النهار بشأن دوام حلیة زواج المتعة، فإن الذی علیه غالبیة جمهور أهل السنة الیوم عكس ذلك، وإن الآیة الخاصة فی هذا النكاح یزعمون أنها نسخت، وقد اختلفوا فی الناسخ، فمنهم من قال بأنه آیة من الكتاب، ومنهم من قال أن الناسخ روایات من السنة، ونرد كلا الرأیین بالأحادیث السابقة القطعیة الثبوت والتی دلت علی أن الرسول (ص) مات دون أن ینهی عن المتعة، وأما من قال بأن الناسخ هو آیة من الكتاب هی: (والذین هم لفروجهم حافظون إلا علی أزواجهم أو ما ملكت أیمانهم " [16] ، وهذه الآیة " مكیة "، وآیة المتعة " مدنیة " أو حكم تشریع زواج المتعة " مدنی " والسابق لا ینسخ اللاحق. وأما من قال بأن الناسخ كان السنة المرویة عن الرسول (ص)، فإن الأحادیث التی یزعمون بأنها ناسخة، تتناقض مع بعضها البعض فمنهم من قال إنها نسخت فی خیبر، وآخر فی أوطاس وثالث یوم فتح مكة، ورابع فی غزوة تبوك وخامس فی عمرة القضاء وسادس فی حجة الوداع، وما اضطراب تلك الروایات وتناقضها إلا دلیلا علی عدم صحتها، هذا بالإضافة إلی أن تلك الروایات لا تخرج عن كونها من أخبار الآحاد التی لا تصلح أن تكون ناسخة لحكم نص علیه القرآن وثبت تشریعه بإجماع المسلمین، لأن النسخ لا یقع بخبر الآحاد إجماعا، والآیة لا تنسخها إلا آیة بدلیل قوله تعالی:



[ صفحه 130]



(وما ننسخ من آیة أو ننسها نأت بخیر منها أو مثلها) [17] .

ولذلك فإنه مع وجود كل تلك النصوص الصریحة والتی تثبت مشروعیة نكاح المتعة وعدم نهی النبی (ص) عنها، وبقاء حلها حتی نهی الخلیفة عمر عنها زمن خلافته، فإننا لا نجد حلا لهذه العقدة إلا أن الخلیفة عمر قد اجتهد برأیه لمصلحة رآها - بنظره - للمسلمین فی زمانه وأیامه، اقتضت أن یمنع من استعمال المتعة منعا مدنیا لا دینیا لمصلحة زمنیة، حیث أن الخلیفة عمر (رض) أجل مقاما وأسمی إسلاما من أن یحرم ما أحل الله أو أن یدخل فی الدین ما لیس من الدین وهو یعلم أن حلال محمد حلال إلی یوم القیامة، وحرام محمد حرام إلی یوم القیامة، فلا بد أن یكون مراده المنع الزمنی والتحریم المدنی لا الدینی، وموقفه المتشدد بشأن نكاح المتعة لیس الأول من نوعه، فقد عرف عنه الشدة والخشونة فی عامة أموره ویجتهد فی ذلك مبتغیا المصلحة العلیا - بنظره - للإسلام وإقامة الشرائع) [18] .

ومن الأمثلة علی اجتهاد عمر فی بعض الأحكام وتشدده فیها هو عندما أمر المسلمین أن یؤدوا نافلة رمضان (ما یسمی بصلاة التراویح) جماعة بعد أن كانت تؤدی فرادی علی عهدی رسول الله (ص) وأبو بكر (رض)، وقد أخرج البخاری بسنده إلی أبو هریرة: " إن الرسول (ص) قال: من قام رمضان إیمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. قال ابن شهاب: فتوفی رسول الله (ص) والناس علی ذلك، ثم كان الأمر علی ذلك فی خلافة أبی بكر وصدر من خلافة عمر رضی الله عنهما. قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضی الله عنه لیلة فی رمضان إلی المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، یصل الرجل لنفسه، ویصل الرجل فیصل بصلاته الرهط. فقال



[ صفحه 131]



عمر: إنی أری لو جمعت هؤلاء علی قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم علی أبی بن كعب، ثم خرجت معه لیلة أخری والناس یصلون بصلاة قارئهم؟ قال عمر: نعم البدعة هذه، والتی ینامون عنها أفضل منالتی یقومون، یرید آخر اللیل وكان الناس یقومون أوله " [19] .

وقد اجتهد أیضا فی تلك النافلة (التراویح) بزیادة عدد ركعاتها إلی عشرین، فعن عائشة (رض) قالت: " ما كان رسول الله (ص) یزید فی رمضان ولا فی غیره علی إحدی عشرة ركعة " [20] .

ولكن بعض المعاصرین للخلیفة عمر، ومن بعده بعض المحدثین البسطاء، لما غفلوا عن معرفة سر نهی الخلیفة عن زواج المتعة استكبروا منه أن یحرم ما أحل الله، واضطروا إلی استخراج مبررا لذلك، فلم یجدوا سوی دعوی النسخ من النبی (ص) بعد الإباحة فارتبكوا ذلك الإرتباك واضطربت كلماتهم ذلك الاضطراب. وانظر فی الروایة التالیة لتری مدی الاضطراب والارتباك الذی نتحدث عنه، والأدهی أن واضعیها نسبوها إلی علی علیه السلام، حیث أخرج البخاری فی صحیحه: " أن علیا رضی الله عنه قیل له: إن ابن عباس لا یری بمتعة النساء بأسا، فقال: إن رسول الله (ص) نهی عنها یوم خیبر وعن لحوم الحمر الأنسیة، وقال بعض الناس: إن احتال حتی تمتع، فالنكاح فاسد، وقال بعضهم: النكاح جائز، والشرط باطل " [21] ، فلو فهم هؤلاء علة نهی الخلیفة عنها لأغناهم عن كل ذلك التكلف والارتباك. كان فیما سبق النظر فی زواج المتعة من وجهتها الدینیة والتاریخیة. أما النظر فیها من الناحیة الأخلاقیة والاجتماعیة، فقد جاء تشریعها رحمة للبشر



[ صفحه 132]



ورخصة للكثیرین لا سیما المسافرین فی طلب علم أو تجارة أو جهاد أو مرابطة ثغر، ومع امتناع الزواج الدائم لما له غالبا من التبعات واللوازم والتی لا تتمشی مع حالة المسافرین وخصوصا وهم فی ریعان الشباب وتأجج سعیر الشهوة، وهم فی ذلك أمام خیارین: إما الصبر ومجاهدة النفس الموجب للمشقة التی تؤدی إلی أمراض مزمنة وعلل نفسیة مهلكة وغیر ذلك من الأضرار التی لا تخفی علی أحد. وإما الوقوع فی الزنا الذی ملأ الدنیا بالمفاسد والأضرار. وهذه الأسباب هی نفسها التی دفعت بأحد الوعاظ الخلیجیین ویدعی الشیخ أحمد القطان بأن یفتی للطلبة العرب فی الفلیبین بجواز ممارسة نكاح مؤقت ولكن باسم مختلف سماه (زواج بنیة الطلاق)، وشرط هذا النكاح أن یضمر الزوج فی نفسه الطلاق ودون أن یعلم أحدا بهذه النیة، أی إنه نكاح مؤقت فی نیة الزوج ودائم حسب علم ونیة الزوجة، حیث یقوم الزوج بطلاق زوجته عند انتهاء المدة التی أضمرها فی نفسه. وبالرغم من اعتراف مبتدعی هذا النوع من الزواج بأنه یتضمن الكذب علی الزوجة وخداعها، وبالرغم من عدم وجود أی دلیل علیه من الكتاب أو السنة النبویة فإنهم یبررون تشریعهم له بالقول بأن ضرره علی كل حال یبقی أخف وطأة من مفاسد الزنا! وقد أفتی شیخنا السالف الذكر بهذا بعد أن سئل عن رأیه بنكاح المتعة وفتوی ابن عباس بجوازه، حیث كان جوابه بحرمة هذا النكاح وأن ابن عباس قد أخطأ بتلك الفتوی، وأضاف معلقا: " لو تتبعنا زلة العلماء لتزندقنا)!!. وهكذا أصبحت بدعة " الزواج بنیة الطلاق " علی رأی القطان بدیلا عن نكاح المتعة الذی جاء حله فی الكتاب والسنة (أتستبدلون الذی هو أدنی بالذی هو خیر) ولا حول ولا قوة إلا بالله.


[1] الفصول المهمة للإمام شرف الدين.

[2] صحيح البخاري ج 6 ص 110 كتاب التفسير باب قوله - (يا أيها الذين آمنوا لا تحرمواطيبات ما أحل الله لكم).

[3] النساء: 2.

[4] تفسير ابن كثير، صحيح مسلم بشرح النووي ج 3 ص 552 ط دار الشعب.

[5] تفسير ابن كثير.

[6] صحيح البخاري ج 6 ص 34 كتاب التفسير باب فمن تمتع بالعمرة إلي الحج.

[7] صحيح البخاري ج 2 ص 375 كتاب الحج.

[8] شرح الباري علي صحيح البخاري ج 4 ص 177، شرح النووي علي صحيح مسلم ج 3 ص 364 دار الشعب.

[9] صحيح مسلم ج 3 ص 556 كتاب النكاح باب المتعة ط دار الشعب بشرح النووي.

[10] صحيح مسلم ج 3 ص 555 كتاب النكاح باب المتعة ط دار الشعب بشرح النووي.

[11] صحيح مسلم ج 3 ص 556 كتاب النكاح باب المتعة ط دار الشعب بشرح النووي.

[12] صحيح مسلم ج 3 ص 331 كتاب الحج باب مذاهب العلماء في تحلل المعتمر المتمتعط دار الشعب.

[13] صحيح الترمذي.

[14] صحيح البخاري ج 7 ص 36 كتاب النكاح.

[15] تفسير الطبراني، تفسير الثعلبي.

[16] المؤمنون: 5.

[17] البقرة: 106.

[18] بتصرف عن كتاب أصل الشيعة وأصولها للعلامة محمد آل كاشف الغطاء.

[19] صحيح البخاري ج 3 ص 126 كتاب صلاة التراويح باب فضل من قام رمضان.

[20] صحيح البخاري ج 2 ص 137 كتاب التهجد.

[21] صحيح البخاري ج 9 ص 76 كتاب الإكراه باب الحيلة في النكاح.